Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

تموز 2006، طريق مطار دمشق الدولي، رتل شاحنات عسكرية يمتد على طول طريق المطار الواصل إلى دمشق. بدا المشهد مهيباً. الجنود انتظموا في أماكن جلوسهم بزيّهم وعتادهم العسكري الكامل، وأصابعهم على الزناد. فضول تملكني في تلك اللحظة، أن أتمكن من استراق النظر لوجوههم من أقرب مسافة ممكنة

معن عبد الحق

من 'باب الحارة'": هنا '"بنت جبيل'""

"

تموز 2006، طريق مطار دمشق الدولي، رتل شاحنات عسكرية يمتد على طول طريق المطار الواصل إلى دمشق. بدا المشهد مهيباً. الجنود انتظموا في أماكن جلوسهم بزيّهم وعتادهم العسكري الكامل، وأصابعهم على الزناد.

فضول تملكني في تلك اللحظة، أن أتمكن من استراق النظر لوجوههم من أقرب مسافة ممكنة وأنا أقود سيارتي بالاتجاه المعاكس نحو موقع تصوير مسلسل "باب الحارة" في غوطة دمشق، بالقرب من مطارها.

بدت ملامح وجوه الجنود صارمة. هذه ملامح سبق وعرفتها في طفولتي. على وجوه جنود اعتلوا دبابات الجيش العربي السوري نحو مواجهة العدو الاسرائيلي في لبنان. لم يتسنّ للتاريخ أن يعيد نفسه بعد. هو مشوار العروبة.. لم ينتهِ بعد.

أعود لمراقبة طريقي بينما تبدأ المتابعة الميدانية على محور آخر. محور إذاعة النور على موجتها القصيرة في دمشق. أحب ذكر هذه التفاصيل، كل شيء فيها له مكانه في الروح والقلب. حتى رقم تردد إذاعة "النور" 91،5 Fm!.

عبر مذياع السيارة، أترقب ذلك اللحن المخصص لخبر عاجل أو بيان، ليقاطع نشيداً أردده مع فرقة "الولاية" طوال الطريق، وأفاضل بين معاني وحماسة نشيد أو لحن وآخر. وبينما أسمع كلمات النشيد، تبث ذاكرتي صور "الكاتيوشا" وذلك المقاتل مموه الوجه الذي اعتدنا رؤيته خلف منصة الصواريخ بين الأحراش أثناء النشيد.

(لاحقاً، عرفت أن الشهيد القائد عماد مغنية كان يشرف بنفسه على تفاصيل تصوير تلك الأناشيد. هكذا اقتحمت المقاومة وعينا فأحيته، وَوعي العدو.. فسحقته).

ينتظم إيقاع دقات القلب على موسيقا البيان. (هذه الموسيقى لازالت راسخة في ذاكرتي أيضاً، وهي مستخدمة لليوم على ما أعتقد)

تدمير ميركافا؟ قصف مستوطنات؟ أسر جنود؟ براً؟ جواً؟ بحراً؟. كما يعدهم نشيد صادق الوعد.. ستسحقون ستسحقون.

تحفظ أسماء وأصوات المذيعين والمذيعات... نبرات أصواتهم... تطمئن على المقاومة من ثباتها وحماسها. تحبهم كأنهم صورة حسّية لمقاتلين مجهولين، قلبك معهم ولن تعرفهم ولن تراهم. العدو أيضاً لم يعرفهم. ولم يرهم. بينما كانوا يلعبون به "أتاري". هكذا بشّرَ الشهيد القائد سمير القنطار الصهاينة بهذا المصير، عندما كان في الأسر يوماً.

يخطر ببالي فجأة.. يا للهول، أنا ذاهب لتأدية دور عميل يتجسس لصالح الاحتلال ضد المقاومة!. ثمة مفارقة هنا. يشفع لي فيها أنه تمثيل وأني ممثل. بل ربما هذ المفارقات بين الواقع والدراما من أسرار متعة هذا الفن الجميل. لكن العار على من تجسس وتآمر واستقبل واستضاف العدو... وأتقن الدور. ولم يكن ذلك تمثيلاً ولا فناً ولا مشهداً من مشاهد "باب الحارة". بل مشهد عار ومذلة لا تمحى، في نص حكاية عزّ وكرامة كتبت بالدم.

حسناً، أنت الآن مراسل "المنار" في موقع التصوير (أحدث نفسي)، وهذه مهمتك "الجهادية". يجب أن يعرف كل الحاضرين في موقع التصوير تفاصيل المعركة. وإذا احتاجوا أي معلومة ميدانية يجب أن أكون مرجعهم الأول.

هذا ما حصل بالفعل لاحقاً. صار عندي موجز صباحي، وآخر عند الظهر، ومن بعد الظهر، يتخللهم فواصل أخبار عاجلة وبيانات المقاومة أيضاً. يعني باختصار لم يكن ينقص إلا أن ينشد "صطيف" للحاضرين: هيهات يا محتل!.

أما نص الرسالة الإخبارية المتخيلة في رأسي كمراسل افتراضي لقناة المقاومة فكانت البلدة الأغلى على قلبي ووجداني منذ أن وقف السيّد يوم خطاب التحرير فيها، إلى أن عجزت نخبة لواء جولاني عن احتلالها. من موقع تصوير "باب الحارة" هنا.. "بنت جبيل".

"

فنان وممثل عربي